الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: القول المفيد على كتاب التوحيد **
قوله: في " اللو ". دخلت " آل " على " لو" وهي لا تدخل إلا على الأسماء، قال ابن مالك: لأن المقصود بها اللفظ، أي: باب ما جاء في هذا اللفظ. والمؤلف رحمه الله جعل الترجمة مفتوحة ولم يجزم بشيء، لأن " لو" تستعمل على عدة أوجه: الوجه الأول: أن تستعمل في الأعتراض على الشرع، وهذا محرم، قال الله تعالى: الثاني: أن تستعمل في الاعتراض على القدر، وهذا محرم أيضًا، قال الله تعالى: الثالث: أن تستعمل للندم والتحسر، وهذا محرم أيضًا، لأن كل شيء يفتح الندم عليك فإنه منهي عنه، لأن الندم يكسب النفس حزنًا وانقباضًا، والله يريد منا أن نكون في انشراح وانبساط، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: مثال ذلك: رجل حرص أن يشتري شيئًا يظن أن فيه ربحًا فخسر، فقال لو أني ما اشتريته ما حصل لي خسارة، فهذا ندم وتحسر، ويقع كثيرًا، وقد نهي عنه. الرابع: أن تستعمل في الاحتجاج بالقدر علي المعصية، كقول المشركين: الخامس: أن تستعمل في التمني، وحكمه حسب التمني: إن كان خيرًا فخير، وإن كان شرًا فشر، وفي الحديث عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في قصة النفر الأربعة قال أحدهم: (لو أن لي مالًا لعملت بعمل فلان، فهذا تمني خيرًا، وقال الثاني: " لو أن لي مالًا لعملت بعمل فلان " فهذا تمنى شرًا فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الأول فهو بنيته فأجرهما سواء، وقال في الثاني: (فهو بنيته، فوزرهما سواء). السادس: أن تستعمل في الخبر المحض. وهذا جائز، مثل: لو حضرت الدرس لاستفدت، ومنه قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: وبعضهم قال: إنه من باب التمني، كأنه قال: ليتني استقبلت من أمري ما استدبرت حتى لا أسوق الهدي. لكن الظاهر: أنه خبر لما رأي من أصحابه، والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يتمني شيئًا قدر الله خلافه. وقوله الله تعالى: وقوله: وقد ذكر المؤلف في هذا الباب آيتين: * الآية الأولى قوله تعالى: {يقولون}. الضمير للمنافقين. قوله: {ما قتلنا}. أي: ما قتل بعضنا، لأنهم لم يقتلوا كلهم، ولأن المقتول لا يقول. قوله: قوله: (ها هنا(. أي: في أحد. قوله: قوله: {وقعدوا}. الواو إما أن تكون عاطفة والجملة معطوفة على {قالوا}، ويكون وصف هؤلاء بأمرين: - بالاعتراض على القدر بقولهم: - وبالجبن عن تنفيذ الشرع " الجهاد " بقولهم: {وقعدوا}، أو تكون الواو للحال والجملة حالية على تقدير " قد "، أي: والحال أنهم قد قعدوا، ففيه توبيخ لهم حيث قالوا مع قعودهم، ولو كان فيهم خير لخرجوا مع الناس،لكن فيهم الاعتراض على المؤمنين وعلى قضاء الله وقدره. قوله: {لإخوانهم}. قيل: في النسب لا في الدين، وقيل: في الدين ظاهرًا، لأن المنافقين يتظاهرون بالإسلام، ولو قيل: إنه شامل للأمرين، لكان صحيحًا. قوله: فهذه الآية والتي مثلها تدل على أن الإنسان محكوم بقدر الله كما أنه يجب أن يكون محكومًا بشرع الله. * مناسبة الباب للتوحيد. أن من جملة أقسام (لو) الاعتراض على القدر، ومن اعترض على القدر، فإنه لم يرض بالله ربًا، ومن لم يرض بالله ربًا، فإنه لم يحقق توحيد الربوبية. والواجب أن ترضي بالله ربًا، ولا يمكن أن تستريح إلا إذا رضيت بالله ربًا تمام الرضا، وكأن لك أجنحة تميل بها حيث مال القدر، ولهذا قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي اله عنه، أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: قوله: " وفي الصحيح ". أي: صحيح مسلم، وانظر ما سبق في: باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله (ص 146). والمؤلف رحمه الله حذف منه جملة، وأتي بما هو مناسب للباب، والمحذوف قوله: قوله: " القوي ". أي: في إيمانه وما يقتضيه إيمانه، ففي إيمانه، يعني: ما يحل في قلبه من اليقين الصادق الذي لا يعتريه شك، وفيما يقتضيه، يعني: العمل الصالح من الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحزم في العبادات وما أشبه ذلك. وهل يدخل في ذلك قوة البدن؟ الجواب: لا يدخل في ذلك قوة البدن إلا إذا كان في قوة بدنه ما يزيد إيمانه أو يزيد ما يقتضيه، لأن " القوي " وصف عائد على موصوف وهو المؤمن، فالمراد: القوي في إيمانه أو ما يقتضيه، ولا شك أن قوة البدن نعمة، إن استعملت في الخير فخير، وإن استعملت في الشر فشر. قوله: " خير وأحب إلى الله ". خير في تأثيره وآثاره، فهو ينفع ويقتدي به، وأحب إلى الله باعتبار الثواب. قوله: " من المؤمن الضعيف ". وذلك في الإيمان أو فيما يقتضيه لا في قوة البدن. قوله: " وفي كل خير ". أي: في كل من القوي والضعيف خير، وهذا النوع من التذييل يسمي عند البلاغيين بالاحتراس حتى لا يظن أنه لا خير في الضعيف. فإن قيل: إن الخيرية معلومة في قوله: (خير وأحب)، لأن الأصل في اسم التفضيل اتفاق المفضل والمفضل عليه في أصل الوصف؟ فالجواب: أنه قد يخرج عن الأصل،كما في قوله تعالى: كذلك الإنسان إذا سمع هذه الجملة: " خير وأحب " صار في نفسه انتقاص للمؤمن المفضل عليه، فإذا قيل: " وفي كل خير " رفع من شأنه، ونظيره قوله تعالى: قوله: " احرص على ما ينفعك ". الحرص: بذلك الجهد لنيل ما ينفع من أمر الدين أو الدنيا. وأفعال العباد بحسب السبر والتقسيم لا تخلو من أربع حالات: 1. نافعة، وهذه مأمور بها. 2. ضارة، وهذه محذر منها. 3. فيها نفع وضرر. 4. لا نفع فيها ولا ضرر، وهذه لا يتعلق بها أمر ولا نهي، لكن الغالب أن لا تقع إلا وسيلة إلى ما فيه أمر أو نهي، فتأخذ حكم الغاية، لأن الوسائل لها أحكام المقاصد. فالأمر لا يخلو من نفع أو ضرر، إما لذاته أو لغيره، فحديثنا العام قد لا يكون فيه نفع ولا ضرر، لكن قد يتكلم الإنسان ويتحدث لأجل إدخال السرور على غيره فيكون نفعًا، ولا يمكن أن تجد شيئًا من الأمور والحوادث ليس فيها نفع ولا ضرر، إما ذاتي، أو عارض إنما ذكرناه لأجل تمام السير والتقسيم. والعاقل يشح بوقته أن يصرفه فيما لا نفع فيه ولا ضرر، قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: واتصال هذه الجملة بما قبلها ظاهر جدًا، لأن من القوة الحرص على ما ينفع. و" ما ": اسم موصول بفعل (ينفع)، والاسم الموصول يحول بصلته إلى اسم الفاعل، كأنه قال: احرص على النافع، وإنما قلت ذلك لأجل أن أقول: إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمرنا بالحرص على النافع، ومعناه أن نقدم الأنفع على النافع، لأن الأنفع مشتمل على أصل النفع وعلى الزيادة، وهذه الزيادة لابد أن نحرص عليها، لأن الحكم إذا علق بوصف كان تأكد ذلك الحكم بحسب ما يشتمل عليه تأكد ذلك الوصف، فإذا قلت: أنا أكره الفاسقين كان كل من كان أشد في الفسق إليك أكره، فنقدم على النافع لوجهين: 1. أنه مشتمل على النفع وزيادة. 2. أن الحكم إذا علق بوصف كان تأكد ذلك الحكم بحسب تأكد ذلك الوصف وقوته. ويؤخذ من الحديث وجود الابتعاد عن الضار، لأن الابتعاد عنه انتفاع وسلامة لقوله: قوله: " واستعن بالله ". الواو تقتضي الجمع فتكون الاستعانة مقرونه بالحرص، والحرص سابق على الفعل، فلابد أن تكون الاستعانة مقارنة للفعل من أوله. والاستعانة: طلب العون بلسان المقال، كقولك: اللهم أعني، أو: لا حول ولا قوة إلا بالله " عند شروعك بالفعل. أو بلسان الحال، وهي أن تشعر بقلبك أنك محتاج إلى ربك عز وجل أن يعينك على هذا الفعل، وأنه إن وكلك إلى نفسك وكلك إلى ضعف وعجز وعورة. أو طلب العون بهما جميعًا، والغالب أن من استعان بلسان المقال، فقد استعان بلسان الحال. ولو احتاج الإنسان إلى الاستعانة بالمخلوق كحمل صندوق مثلًا، فهذا جائز ولكن لا تشعر نفسك أنها كاستعانتك بالخالق، وإنما عليك أن تشعر أنها كمعونة بعض أعضائك لبعض، كما لو عجزت عن حمل شيء بيد واحدة، فإنك تستعين على حمله باليد الأخري، وعلي هذا، فالاستعانة بالمخلوق فيما يقدر عليه كالاستعانة ببعض أعضائك، فلا تنافي قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " استعن بالله ". قوله: " ولا تعجزن ". فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، و" لا ": ناهية، والمعني: لا تفعل فعل العاجز من التكاسل وعدم الحزم والعزيمة، وليس المعني: لا يصيبك عجز، لأن العجز عن الشيء غير التعاجز، فالعجز بغير اختيار الإنسان، ولا طاقة له به، فلا يتوجه عليه نهي، ولهذا قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: فإذا اجتمع الحرص وعدم التكاسل، اجتمع في هذا صدق النية بالحرص والعزيمة بعدم التكاسل. لأن بعض الناس يحرص على ما ينفعه ويشرع فيه، ثم يتعاجز ويتكاسل ويدعه، وهذا خلاف ما أمر به الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فما دمت عرفت أن هذا نافع، فلا تدع، لأنك إذا عجَّزت نفسَك خسرت العمل الذي عملت ثم عودت نفسك التكاسل والتدني من حال النشاط والقوة إلى حال العجز والكسل، وكم من إنسان بدأ العمل ولا سيما النافع ثم أتاه الشيطان فثبطه؟ ! لكن إذا ظهر في أثناء العمل أنه ضار، فيجب عليه الرجوع عنه، لأن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل. وذكر في ترجمة الكسائي أنه بدأ في طلب علم النحو ثم صعب عليه، فوجد نملة تحمل طعامًا تريد أن تصعد به حائطًا، كلما صعدت قليلًا سقطت، وهكذا حتى صعدت، فأخذ درسًا من ذلك، فكابد حتى صار إمامًا في النحو. قوله: " إن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا ". هذه هي المرتبة الرابعة مما ذكر في هذا الحديث العظيم إذا حصل خلاف المقصود. فالمرتبة الأولى: الحرص علي ما ينفع. والمرتبة الثانية: الاستعانة بالله. والمرتبة الثالثة: المضي في الأمر والاستمرار فيه وعدم التعاجز وهذه المراتب إليك. المرتبة الرابعة: إذا حصل خلاف المقصود، فهذه ليست إليك، وإنما هي بقدر الله، ولهذا قال: " وإن أصابك.. "، ففوض الأمر إلى الله تعالى. قوله: " وإن أصابك شيء ". أي: مما تحبه ولا تريده ومما يعوقك عن الوصول إلى مرامك فيما شرعت فيه من نفع. فمن خالفه القدر ولم يأت على مطلوبه لا يخلو من حالين: الأول: أن يقول: لو لم أفعل ما حصل كذا. الثاني: أن يقول: لو فعلت كذا لأمر لم يفعله لكان كذا. مثال الأول قول القائل: لو لم أسافر ما فاتني الربح. وذكر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الثاني دون الأول، لأن هذا الإنسان عامل فاعل، فهو يقول: لو أني فعلت الفعل الفلاني دون هذا الفعل لحصلت مطلوبي، بخلاف الإنسان الذي لم يفعل وكان موقفه سلبيًا من الأعمال. قوله: " كذا "، كناية عن مبهم، وهي مفعول لفعلت. قوله: " لكان كذا ". فاعل كان، والجملة جواب لو. قوله: " قدر الله ". خبر لمبتدًا محذوف، أي: هذا قدر الله. وقدر بمعني مقدور، لأن قدر الله يطلق على التقدير الذي هو فعل الله، ويطلق علي المقدور الذي وقع بتقدير الله، وهو المراد هنا، لأن القائل يتحدث عن شيء وقع عليه، فقدر الله أي مقدوره، ولا مقدر إلا بتقدير، لأن المفعول نتيجة الفعل. والمعني: إن هذا الذي وقع قدر الله يطلق على التقدير الذي هو فعل الله، ويطلق على المقدور الذي وقع بتقدير الله، وهو المراد هنا، لأن القائل يتحدث عن شيء وقع عليه، فقدر الله أي مقدوره، ولا مقدر إلا بتقدير، لأن المفعول نتيجة الفعل. المعني: إن هذا الذي وقع قدر الله وليس إلى، أما الذي إلى فقد بذلت ما أراه نافعًا كما أمرت، وهذا فيه التسليم التام لقضاء الله عز وجل، وأن الإنسان إذا فعل ما أمر به على الوجه الشرعي، فإنه لا يلام على شيء ويفوض الأمر إلى الله. قوله: " وما شاء فعل ". جملة مصدرة بـ " ما " الشرطية، و" شاء: فعل الشرط وجوابه: " فعل "، أي: ما شاء الله أن يفعله فعله، لأن الله لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه، قال تعالى: وأما الإرادة ووقوع المراد، ففيه تفصيل: فالإرادة الشرعية لا يلزم منها وقوع المراد، وهي التي بمعني المحبة، قال تعالى: والإدارة الكونية يلزم منها وقوع المراد، كما قال الله تعالى: قوله: " فإن لو تفتح عمل الشيطان ". " لو" اسم إن قصد لفظها، أي: فإن هذا اللفظ يفتح عمل الشيطان. وعمله: ما يلقيه في قلب الإنسان من الحسرة والندم والحزن، فإن الشيطان يحب ذلك، قال تعالى: 1. إثبات المحبة لله عز وجل، لقوله: " خير وأحب ". 2. اختلاف الناس في قوة الإيمان وضعفه، لقوله: " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ". 3. زيادة الإيمان ونقصانه، لأن القوة زيادة والضعف نقص، وهذا هو القول الصحيح الذي عليه عامة أهل السنة. وقال بعض أهل السنة: يزيد ولا ينقص، لأن النقص لم يرد في القرآن، قال تعالى: والراجح القول الأول، لأنه مع لازم ثبوت الزيادة ثبوت النقص عن الزائد، وعلي هذا يكون القرآن دالًا على ثبوت نقص الإيمان بطريق اللزوم، كما أن السنة جاءت به صريحة في قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: والإيمان يزيد بالكمية والكيفية، فزيادة الأعمال الظاهرة زيادة كمية، وزيادة الأعمال الباطنة كاليقين زيادة كيفية، ولهذا قال إبراهيم عليه السلام: والإنسان إذا أخبره ثقة بخبر، ثم جاء آخر فأخبره نفس الخبر، زاد يقينه، ولهذا قال أهل العلم: إن المتواتر يفيد العلم اليقيني، وهذا دليل على تفاوت القلوب بالتصديق، وأما الأعمال، فظاهر، فمن صلي أربع ركعات أزيد ممن صلي ركعتين. 4. أن المؤمن وإن ضعف إيمانه فيه خير، لقوله: " وفي كل خير". 5. أن الشريعة جاءت بتكميل المصالح وتحقيقها، لقوله: 6. أنه لا ينبغي للعاقل أن يمضي جهده فيما لا ينفع، لقوله: 7. أنه ينبغي للإنسان الصبر والمصابرة، لقوله: " ولا تعجزن ". 8. أن ما لا قدرة للإنسان فيه فله أن يحتج عليه بالقدر، لقوله: " ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل ". وأما الذي يمكنك، فليس لك أن تحتج بالقدر. وأما محاجة آدم وموسى حيث لام موسى آدم عليهما الصلاة والسلام، وقال له: فالقدرية الذين ينكرون القدر يكذبون القدر يكذبون هذا الحديث، لأن من عادة أهل البدع أن ما خالف بدعتهم إن أمكن تكذيبه كذبوه، وإلا حرفوه، ولكن هذا الحديث ثابت في "الصحيحين " وغيرهما. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن هذا من باب الاحتجاج بالقدر على المصائب لا على المعائب، فموسى لم يحتج على آدم بالمعصية التي هي سبب الخروج بل احتج بالخروج نفسه. معناه أن فعلك صار سببًا لخروجنا، وإلا فإن موسى عليه الصلاة والسلام أبعد من أن يلوم أباه على ذنب تاب منه واجتبا ربه وهداه، وهذا ينطبق على الحديث. وذهب ابن القيم رحمة الله إلى وجه آخر في تخريج هذا الحديث، وهو أن آدم احتج بالقدر بعد أن مضي وتاب من فعله، وليس كحال الذين يحتجون على أن يبقوا في المعصية ويستمروا عليها، فالمشركون لما قالوا: 9. أن للشيطان تأثيرًا على بني آدم، لقوله: " فإن لو تفتح عمل الشيطان "، وهذا لا شك فيه، ولهذا قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: فقال بعض أهل العلم: إن هذا يعني الوساوس التي يلقيها في القلب فتجري في العروق. وظاهر الحديث: أن الشيطان نفسه يجري من ابن آدم مجري الدم، وهذا ليس بيعيد على قدرة الله عز وجل، كما أن الروح تجري مجري الدم، وهي جسم، إذا قبضت تكفن وتحنط وتصعد بها الملائكة إلى السماء. ومن نعمة الله أن الشيطان ما يضاده، وهي لمة الملك، فإن للشيطان في قلب ابن آدم لمة وللملك لمة، ومن وفق غلبت عنده لمة الملك لمة الشيطان، فهما دائمًا يتصارعان نفس مطمئنة ونفس أمارة بالسوء، وأما النفس اللوامة فهي وصف للنفسين جميعًا. 10.حسن تعليم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين قرن النهي عن قول " لو " ببيان علته، لتتبين حكمة الشريعة، ويزداد المؤمن إيمانًا وامتثالًا. * فيه مسائل: الأولى: تفسير الآيتين في آل عمران. الثانية: النهي الصريح عن قوله: (لو)، إذا أصابك شيء: الثالثة: تعليل المسألة بأن ذلك يفتح عمل الشيطان. الرابعة: الإرشاد إلى الكلام الحسن. الخامسة: الأمر بالحرص على ما ينفع مع الاستعانة بالله. السادسة: النهي عن ضد ذلك، وهو العجز. الأولى: تفسير الآيتين في آل عمران. وهما: الأولى: الثانية: الثانية: النهي الصريح عن قول " لو" إذا أصابك شيء. لقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ: الثالثة: تعليل المسألة بأن ذلك يفتح عمل الشيطان. فالنهي عن قول " لو" علتها أنها تفتح عمل الشيطان وهو الوسوسة، فيتحسر الإنسان بذلك ويندم ويحزن. الرابعة: الإرشاد إلى الكلام الحسن. ويعني قوله: " ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل ". الخامسة: الأمر بالحرص على ما ينفع مع الاستعانة بالله، لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: السادسة: النهي عن ضد ذلك، وهو العجز. لقوله: " ولا تعجزن "، فإن قال قائل: العجز ليس باختيار الإنسان، فالإنسان قد يصاب بمرض فيعجز، فكيف نهي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن أمر لا قدرة للإنسان عليه؟ أجيب: بأن المقصود بالعجز هنا التهاون والكسل عن فعل الشيء، لأنه هو الذي في مقدور الإنسان.
***
|